القصة وحقلها الملغم
سامى النجار شاب طموح نحيل الجسد , متقد العينين , ليست هناك شاردة أو واردة فى قاهرة المعز إلا و يعطيك عنها خبراً , هو داخل المحيط الفنى دائما , ولديه من يخبره بالأمور الفنية المختبئة في سراديب قاهرة المعز , عوالم كثيرة يطرقها و شخوص فى الفن و الأدب و الحياة , لكن يظل الطموح أهم سماته , يبدو دائما في حديثة , يخترق دخان الشيشة الذي يلفظه ليعانق الفضاء الرحب , , كتب سامى النجار المسرح و اشتغل مخرجا بالثقافة الجماهيرية , بل و أصدر صحفا و أفرد صفحات للأدب و الفن و تعرف الى أدباء كثيرين أحبهم و احبوه , و هو الآن يعمل محرراً بمجلة قطر الندي المصرية ...
ثم أصابته العدوى المحببة التى لا شفاء منها , عدوى القصة القصيرة , دخل حقلها الملغم فصارت خطواته تتجه الى خطر محدق في حالة تقدمه أو تراجعه , فضًل أن يواصل خطواته الحذرة نحو التحقق فيها .
صار سامى النجار يدقق النظر فيما حوله , يفلح فى التقاط المواقف بذكاء , يستند تارة على الشخصية وتارة على الحدث , وينجح في توظيف القلق في قصص , على نحو مانرى في قصة "الخوف " إن القارئ لقصص سامى النجار لا يمكن ان يفصل بينه و بين قصصه , ان تكتب نفسك فهذا شيء صعب , الحقيقة أن سامى يكتب نفسه كما يحب أن يكون , المقهى تصبح ركيزة في قصصه اليها ينطلق و منها يعود , أو يتأمل من خلالها شريط الحياة و هو يمر بجواره , على نحو ما نرى في قصه " السوق " أبطال سامى اتخذوا من المقهى ملاذا و مكاناً للاسترخاء و الراحة , وحين يجد بطل القصة أحلامة ممثلة في مرور فتاة جميلة فأنها تمر بجواره ثم تمضي حتى يبتلعها السوق , و[على قارعة الطريق ] وهذا عنوان إحدى قصصه نرى صورة مشهديه لواقع هزلى يتحرك , الولد المنطلق خلف أتوبيس كاد يدهسه , سائق الاتوبيس المتعب الذي يلعن الشاب ألف مرة , و شيخ كبير تقطر من فمه الحكمة و هو يردد قولة أبى العلاء المعرى [ تعبُُُ ُ كلها الحياة *** فما عجبتُ إلا من راغب فى ازديادِ ]
ويلتقط الكاتب المتناقضات ـ امرأة تمشي في الشارع لها خمسة أطفال تحت لافتة لتنظيم الأسرة وغلاء أسعار اللحم رغم تصريح وزير التموين بانخفاض الأسعار و الصحافة السوداء الحالكة رغم أن البنط باللون الأحمر .
وتعلق الكاتب بغبار الاتوبيس المسرع رغم وجود عربة ملاكي حمراء يخرج منها رأس كلب يخرج لسانه , هذا هو الواقع و تلك هى رموزه وفِق الكاتب في رصده حتى و أن بدت بعض المآخذ على طريق التناول وانزلاق اللغة هى الاخرى الى عالم المتناقضات , رغم ما تطرحه من موضوعات جادة .
وفى قصة [ الخوف ] .. يرى سامة النجار أن الأدب هو رمز الخلاص من واقع ثقيل .... وهو رمز المقاومة و المواجهة , فها هو بطل القصة يطارد ثعباناً وهو خائف الى أن تجيئه صورة أديب تبرز عن صفحات كتاب تقول له : لماذا لا تكون شجاعا أن الثعبان يمثل الواقع البغيض و توازيه أشياء كثيرة بغيضة الثعبان رمز لها .
وفى إطارمشهدى لرجل يأتى كل يوم الى المقهى و يجلس منعزلا حزينا و لا يشرب كوب " القرفة " بما تعنيه كلمة " قرفة " من معنى عامى
أن قصة " أحزان رجل" لا تنفصل هى الأخرى عن قصة [ الخوف ] صحيح أن الكاتب لم يقدم مبررات الحزن لهذا الرجل , وعزوفه عن تناول كوب [ القرفة] و انعزاله عن الناس حوله ولكنه ترك ذلك لاستنباط القارئ الذي يعايش الأحزان و يتكيف مع معطياتها .
ثم تتعدد اسهامات سامى النجار عبر قصص " البهلوان " و " على المعاش" "وتلك اللية" و غيرها وكلها لقطات ذكية للكاتب .... وجميعها تتصل بالواقع ولو حظيت باهتام اكبر في اللغة و عدم التعجل في تقديم النهايات لصارت قصصا من نوع خاص , غير أن الواقف في حقل ملغم يحتاج الى تماسك أكثر و و عي بخطورة ما حوله , وهذا سيجيده سامى النجار في قصصه القادمة .
ونصل مع سامى النجار الى ( النافذة ) التى أغلقها في نهاية القصة التى تحمل نفس العنوان ليظل الواقع جاثما على صدره , ويظل خلف نافذته " محلك سر " . وهو على عكس ما فعل الشاعر " لوركا " حين قال
إذا أنا ميتٌ
دع شرفتى مفتوحة
أن تميز قصص سامى النجار في كونه اختار لقطات متساوية في الحجم , امتلاء إطار كل واحدة بهمٍ خاص وعام , وهو يعرف أن اللقطة يمكنها أن تقدم مالا يقدمه شريط الأخبار .
وأتمنى له دوام التوفيق
فريد محمد معوض