طائر الشعر الحزين بقلم / فريد محمد معوض مالك الحزين طائر يقف عند نبع الماء الذي جف ، ويبكى ندرة الماء .. مالك الحزين هو عنوان رواية شامخة للمصري إبراهيم أصلان .. مالك الحزين تجسيد لإنسان تعس يبكي ويغني .. ولعل الشاعرة العراقية المبدعة وفاء عبد الرازق تتماهي مع هذا الطائر في ديوانها العذب "من مذكرات طفل الحرب" غير أن طائرنا العراقي في ديوانه لا يرتدي ثوب الحداد ولا يئن فيقطع نياط الفؤاد لكنه يحرك فيك شجونا خاصا ، ويقدم لك الموت طازجا وكأنه يمنحك قبسا من وهج الحياة . "من مذكرات طفل الحرب" الراوي الذي يحكي والذي أرادته وفاء عبد الرازق ودثرته بشغاف قلبها اختارته طفلا ذكيا عاش فترات الحرب المختلفة ، لعل أولها الحرب العراقية الإيرانية و حتى ما سمي بتحرير العراق .. تختار وفاء عبد الرازق ربوة عالية بين أنقاض الوطن لتحكي ترصد المشهد التراجيدي بدقة الباحث ، ورقة وفاء عبد الرازق ترسخ لأدب ما بعد الحرب ، على النحو الذي بدأت إرهاصاته بعد الحرب العالمية الأولى والثانية غير أن وفاء تستخدم ما لديها من أدوات براعة في رسم الصورة وألف الكلمة وروح القصة حتى لا يفلت منها قارئها .. إلا أن مآسي الحرب أكثر حدة فهي تطل بحزنها بين الحين والحين فالذكريات بلا أذرع والطنين يصفق لعمر غض فتسقط من عكازها ذكريات بلا أذرع .. ولأن السماء لم تأسف كطفل تأخذه الجذوع إلى لقاحها مات مشط أمي منتحرا فالإيماء أحيانا يكون أقسى من الإيضاح وهو قادر على درء الأغطية التي غلفت كل شيء ، وقادر على فض غشاء الصمت .. ولعل هذا ما تريده الشاعرة المبدعة وفاء عبد الرازق أنها تريد أن تكلم النظام العالمي الجديد أكثر من إرادتها في صرخة غير مجدية .. تريد أن تغني في هدوء أكثر من رغبتها في العويل والبكاء لكنها تبرز ما يدعو للغناء والعويل والبكاء .. الصورة الشعرية لديها حادة والرؤية لديها جادة والمعني كوميض البرق الشاعر ، تحاصرها الجماجم والهياكل العظيمة وبقايا لأطفال صغار ، تنقب بين تلك الفواجع عن نقطة بدء جديدة وقواعد مسلحة يمكن أن يتمركز عليها أعمدة الوطن الأسمنتية . تستعين بتراثها الخاص كي تعود مع بناء الوطن : تذكرت قصص جدتي التي علمتني أن أنسج قلبي أجنحة نفسي سكني وصدري نافذة وأخبرتني أن الضوء ليس له مزلاج يغرد طائرنا ليس للموت وإنما خلاصا منه ، تحاول أن تجعله سهلا محببا حتى تسهل مواجهته ، فالمغامرات الحلوة تحلو أكثر بين الأنقاض وبرك الدم ألعاب كثيرة حولي لربما لجدات أخريات وأنا أستمتع بدهشة عيونهن وأروي لهن عن مغامراتي في التزحلق ببرك الدم إن شاعرتنا وفاء عبد الرازق تحيل مشاهد الموت إلى صور مبهجة مشرقة الألوان / ألعاب / أستمتع / دهشة / مغامرات / تزحلق .. كلها مفردات تحتفل بمشهد الموت .. كي يخطف الأبصار الغافلة عن مشاهدها .. لكنك كثيرا ما تلمحها من جديد تنزوي جانبا ، تنظر عين الماء التي نضبت وتسمع نحيبا مكتوما لكنه في رقة الشعور .. هل تبكي ؟ .. هل تصبح طيرا مثلك مالك الحزين .. ما زلت أكره السلاحف التي على وشك أن تصبح مدينة تخرج من مؤخرتها الحشرات إن عناوين الموت في ديوان وفاء عبد الرازق خادعة ، لأن براعتها في نسج المأساة تؤكد أننا ما زلنا في حيز الأحياء وأن أمه ترفض الموت وتبحث عما يجعلها ماثلة واقفة كالأشجار ، وهذا ما تؤكده الرؤية الشعرية لابنة الرافدين إنها شاعرة بحق .. فارفعوا عن كاهلها حملا ثقيلا حملته وحدها .. واسمعوا لطفلها الذي يروي مشاهد الموت والحياة .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق