Blogger: عالم سمسم للمسرح - إنشاء رسالةمن حكايات الجد " نور الدين "
والتف الأولاد والبنات حول الجد "نور الدين" :
- ماذا ستحكى لنا يا جدنا اليوم ؟
فقال الجد :
"سأحكي عن "فضيلة" .. وكيف حافظت على أرضها من المعتدى وعن "يوسف الأعرج" الذى كان يشترى الأجولة الفارغة .. وكيف بات واحد من أبناء قريتنا .. بعد أن أشترى له ولحماره دار بوسط البلد ، كان ذلك عام 1947 والله يا أصدقاء .. أنا لا أدرى لماذا كان اسمه الأعرج .. مع انه لم يكن بالأعرج .. المهم .. هذا الرجل لم يتوقف طموحه عند شراء الدار .. لكنه استطاع أن يشترى قطعة أرض زراعية باعها له "عواد" .. ثم ترك التجارة وراح يتعلم الزراعة .. لقد أعطاها كل وقته حتى صار فلاحا جيدا يزرع ويحصد .. وعندئذ حاول "حزو" العجوز وولده "غبريال" .. بائعا قلادات القشرة .. أن يقلدا يوسف في ذلك .. فاشتريا دارا كبيرة بوسط البلد أيضا .. ثم راحا يبحثان عن أرض يشترياها .. لكن أحدا لم يبع لهما .. فجاء حزو إلى يوسف كي يأخذ منه النصيحة والمشورة .. فأشار عليه بأن يحاول مرة أخرى مع فضيلة ابنة شيخ البلد .. فربما اقتنعت هذه المرة وباعت .. ثم أردف :
- وإن لم توافق على البيع .. زوجها لولدك غبريال .. البنت بعد وفاة والدها صارت وحيدة وتحتاج لمن يزرع معها الأرض .
وبالفعل راح حزو وولده يحاولان إقناعها من جديد .. لكنها رفضت رفضا قاطعا ، فهي لا تحب أن تتزوج بواحد من غير قريتها .. إلا أنهما لم ييأسا وأخذا يبحثان عن وسيط لإقناع فضيلة .. فأشركا العمدة وشيخ البلد الجديد .. بل وشيخ الخفراء أيضا .. ومع ذلك بائت المحاولات بالفشل .. وذات يوم جاءني حزو وولده غبريال ويوسف الأعرج .. وطلبوا منى نفس الطلب .. فهم يعرفون جيدا قدري وقدر كلمتي عند فضيلة التي تعتبرني مثل أبيها رحمه الله .. ودون تردد رفضت أنا أيضا طلبهم .. بل حذرتهم من أن يضغطوا عليها أكثر من ذلك .. عند هذا الحد ارتفع غبريال بحماقة وقال لي :
- لو أقنعتها سنعطيك ما تريد .
ولم أشعر بنفسي إلا وأنا ألطمه على وجهه لطمة قوية .. جعلتا حزو ويوسف يشعران بفداحة ما قاله ذلك "الحلوف" غبريال .. لذا اندفع حزو وأخذ يضربه حتى سال الدم من وجهه .. ولم يكتف بذلك .. بل جذبه من طوق جلبابه وأقسم له لو لم يقبل رأسي ويعتذر لي بشكل لائق .. ما سمى له ولدا .
ولم يكن لدى أمام هذا القسم سوى أن أترك رأسي لغبريال يقبلها كيف يشاء .. ثم راح حزو ومن بعده يوسف الأعرج يعتذران لي أيضا .. وبعد ذلك استأذنوا بالانصراف .
ولم يمر على ذلك أسبوعان فقط .. وسمعت خبرا غريبا أنبأني به "سلطان" ولدى عند الساقية وأنا أعاونه في حمل البرسيم .. والخبر أن "عبد الغنى" كاتب الوسية .. سيقتل غبريال بسبب فضيلة
- وما السبب في ذلك يا سلطان ؟ .. ماذا فعل هذا الحلوف ؟
- سل عبد الغنى .. لا لا .. بل سل فضيلة نفسها .. أنها قريبة من هنا .. اذهب إليها في أرض "الدكانى" .. سوف تحكى لك كل شئ .
وعلى الفور أرسلت ولدى الأصغر إلى أخيه سلطان ليعاونه .. واتجهت أنا إلى فضيلة كانت جالسة أسفل شجرة الجازورين إلى جوار بقرتها وتبكى
- ما الذي يبكيك يا فضيلة .. ماذا حدث يا بنيتي ؟!
فأخبرتني بأن غبريال صار يضايقها كلما رآها .. وأكثر من ذلك .. فإنه يأتيها في الليل ويجلس أسفل شباكها الخلفي المواجه للخلاء .. والناس نيام .. ويعوي كما تعوي الذئاب في الحقول .. في الأولى خافت وارتعدت .. بل أكملت ليلتها ساهرة حتى الصباح .. لكنها في الليلة الثانية .. أخذت حذرها من الذئب .. لما أحضرت إلى جوارها سكينا وعصا كبيرة .. ثم أغلقت الباب الكبير جيدا .. وفى نفس الميعاد جاءها غبريال وأخذ يعوى كما تعوي الذئاب في الحقول .. لكنها هذه المرة عرفته .. من صوته الذي يشبه نهيق الحمار .. ولأنه هو الوحيد الذي يود مضايقتها .. فنهضت من مكانها وحملت آنية فخارية وصعدت بها درجات السلم إلى أعلى .. من فوق السطح ، وأطلت برأسها إلى الشارع .. كان ما زال يعوى أسفل الشباك .. صوبت الآنية فوقه تماما ثم تركتها لتهوى على رأسه .. فأصابته وأسقطته على الأرض .. إلا أنها عادت وخافت .. وكان كلما مر وقتا ولم ينهض يزداد توترها وقلقها .. لكنها ظلت تراقبه لفترة مرت عليه وكأنه الدهر .. استطاع خلالها أن ينهض واقفا ثم غادر المكان .
وكي تتأكد فضيلة أكثر وأكثر من أنه غبريال .. أرسلت جارتها في الصباح .. كي تشترى لها عقدا من القشرة .. دون أن تطلعها على ما حدث في الليل .. وراحت الجارة وعادت بالعقد .. فسألتها :
- من الذي باع لك العقد .. هل غبريال أم حزو ؟
- حزو .. حزو هو الذي باعني إياه .
- خشيت أن يكون غبريال فغبريال يبيع بأسعار غالية .
- لقد سمعت صوت رجل يئن داخل أحد الغرف .. يهيئ لي أنه صوت غبريال
وعند هذا الحد أخذتها فضيلة من يدها وذهبت بها إلى العمدة .. قدمت بلاغا بما حدث من غبريال .. وعلى الفور .. أمر العمدة خفراءه كي يأتوه به .
أمام جميع أهالي القرية أخذ عليه تعهدا .. بأن لا يقرب فضيلة بأذى أو سوء وإلا سيعاقبه بالطرد خارج القرية .
فوقع على التعهد .. ثم سمح له بالانصراف .. حتى لا يصاب جرحه بالتلوث .
حكاية يوسف الأعرج
كان لا يزرع ما نزرع .. ولا يفعل ما نفعل .. فإذا زرعنا القطن زرع هو الأرز .. وإذا زرعنا القمح .. زرع هو البرسيم وتاجر فيه .. إذ كان يبيع قيراط البرسيم الواحد بمبالغ كبيرة .. ولما لا وهو يربى من الحيوانات سوى حمار .. وقليل من البرسيم يكفيه .
أغرب شئ في هذا الرجل .. أنه كان يعرف في كل شئ .. في السياسة والفن والرياضة .. ومع ذلك كان لا يرتدى سوى ملابس ممزقة ولا يهتم بحلق لحيته أو بتلميع حذائه المرقع .. وكان معروفا بطاقيته السوداء التي يرتديها في مؤخرة رأسه .. وكان لا يصلى .. ولا يصوم .. يحب نفسه كحبه للمليم والقرش .
المهم انه خاب وباع الحمار الذي كان سنده الوحيد في الحياة .. كان لا يفارقه لحظة واحدة .. لو غاب يوسف عن القرية يوما أو بعض يوم .. غاب معه الحمار .. وإذا أراد الذهاب إلى الحقل امتطاه .. وفى أيام الحصاد كان هو سنده في تخزين المحصول .. لكنه خاب وباعه واشترى بثمنه مذياعا كبيرا ورفا بديعا .. علقه على الحائط .. ثم وضع فوقه المذياع .. وكان هذا المذياع أول مذياع يدخل قريتنا "سامول" .. لذا هلع البعض من الناس وراحوا يتهمون يوسف بأنه قد جلب إلى القرية شيطانا حديديا .. واسمه مذياع .. يتكلم كما نتكلم .. الويل ليوسف .. وحتى عندما ذهب إلى العمدة طلب منه أن يوصى الخفراء بمباشرة داره في الليل .. حتى لا يسرق اللصوص المذياع .. نهره العمدة واتهمه بالفجور والتلف .
ولما اشتدت الحرب في فلسطين وكثرت الحكايات عنها .. وعرف الكل أن مذياع يوسف هو الذى يأتي بأخبار الحرب التي يدور بها يوسف في القرية .. وأن المذياع .. ما هو إلا شئ من صنع الإنسان .. فما كان أمامنا إلا أن نعقد صلحا معه .. كي يسمح لنا في الليل بعد أن نعود من حقولنا .. بالذهاب إلى داره ونستمع إلى مذياعه .. وفى الليل .. يحلوا السهر .. أمام المذياع والاستماع إلى أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد ونجاة .. تختفي الأحزان ويذوب التعب .. فتعلو الضحكات ويصفو البال .. ويتلألأ مشعلي في الذهاب والإياب .. ولا شئ يعكر الصفو سوى دفع المليم في نهاية السهرة إلى يوسف .. فالمليم كان نصف أجرة الرجل أو يقارب في وسية الأميرة .. حتى العمدة غدا يذهب لسماع المذياع بعد أن يكون قد سبقه أحد من الخفراء إلى دار يوسف .. كي يعلن عن قدومه فتخلو الدار فورا .
ويوما بعد يوم .. صار يوسف محط اهتمام الجميع في القرية .. فكان ينزل له الكاب ويقف له الجالس .. ويشاوره في الأمر من أراد المشورة .. ولما لا .. أليس هو صاحب المذياع الذي ينقل أخبار العالم إلينا ؟ أليس هو صاحب الرأي فيمن سيدخل داره ومن لا يدخل خاصة بعد أن اشترى مذياعا ثانيا جلب له مالا أكثر وشهرة أكبر .. فصار يقرض الناس بربح يزيد عن المائة في المائة .. ثم جلس مع النبلاء كواحد من الأثرياء الوجهاء الذين يمتلكون الكارتة والدار المدهونة العالية البنيان .. وليس ذلك فحسب .. بل صارت داره علامة من علامات القرية التي وجب عليها تشديد الحراسة .. وفجأة ترك القرية ورحل .. رحل بعد أن باع كل ما يملك لغبريال دون أن يشعر واحد من الناس .. وكان ذلك قبل قيام الثورة بشهور قليلة .. ومن يومها ولم نسمع عنه إلا حكايات يحكيها واحد ويكذبها آخر .
حكاية فضيلة والجد
ومرت الأيام والسنين .. وعم الخير على القرية كلها .. فخرجت الناس إلى شوارعها يهتفون ويهللون .. فمن كان لا يمتلك الأرض .. صارت له أرض يزرعها .. لذا كان من الضروري أن أتقدم الناس لمشعلي وأهتف معهم للثورة .. ولقانون الإصلاح الزراعي .. الذي وزع الأرض على الفلاحين حتى غبريال الذي لم تنتهي خلافاته ومشاغباته مع "فضيلة" .. صار أيضا يمتلك أرضا .. بل صار جارا لفضيلة .. جاورها في الأرض والحد .. فازدادت الخلافات بينهما بإلقاؤه نفايات أرضه في أرضها .. وكثيرا ما كان يحاول طمس الحد الفاصل بين الأرضين . بحجة أنه لا يجب أن يوجد فواصل بين الجيران ..
غبريال ما كان يستطيع فعل أشياء كهذه .. إلا بسبب تطوع عبد الغنى زوج فضيلة .. مع ولدى "سلطان" وبعض من شباب ورجال القرية .. في الحرب ضد العدوان .0. وأيضا لصغر سن ولديها "بركات" و"زهرة" .. ولكنها تحملت بشجاعة وصبر كل استفزازاته حتى مات في فراشه بعد عامين .. وفقدته للأبد كما فقدت أنا ولدى سلطان باستشهاده في الحرب .
واستمرت استفزازت غبريال .. بل زادت عندما كان يذهب إلى الأرض في الليل هو ورجاله .. ويثقبون جسر أرض الأرز فينصرف الماء من خلاله .. وتجف الأرض ويصبح الأرز عطشانا .. كل هذا وما كان أحد يستطيع القول مع فضيلة بأن الفاعل غبريال ..
وكيف يجرؤ أحد على قول شئ كهذا .. وغبريال قد كثرت شروره .. خاصة بعد أن قام أحد ثيرانه .. أقصد رجاله الأربعة .. بضرب أحد الخفراء .. وبعد أن سطا على الجرن الواسع الذي كان أمام داره .. وبنى دوارا كبيرا .. العمدة - نفسه - الآن يعمل لغبريال ألف حساب.. ومع ذلك كتبت فضيلة شكواها إليه .. إلا أنه لم يبت في شكواها .. بل اتهمها بإثارة البلبلة وافتعال المشاكل مع جارها .. ولما جاءتني لتستنجد بي .. ذهبت معها ورأيت عجبا .. القطن وقد داسته أقدام البشر والبهائم .. عيدان القطن واقفة محنية إلى الأرض .. أو مكسورة العنق.. روث البهائم قد صبغ القطن الأبيض باللون الأسود .. صرخت بأعلى صوتي :
- ظلم وافتراء
وكأن أحدا لم يسمع .. ولم يأت إلينا سوى غبريال ثائرا .. وهو يسب ويلعن فضيلة .. وكنا واقفين أنا وهى على رأس الأرض .. وكان هو ممتطيا حماره .. ويفصل بيننا وبينه قناة الري الصغيرة .. في البداية أخذ يتحدث إليّ بهوادة ولين :
- كن في حالك يا جدنا نور .. أنت ليس لك شأن بما يحدث .
- وكيف أتركها وحدها تواجه ظلمك ؟! اسمع .. إنني أحذرك .. ابتعد عن فضيلة وعن أرضها وإلا ..
لكنه لم يدعني أكمل حديثي .. وأخذ يسبني .. ثم هبط من فوق حماره .. تراجع للخلف خطوتين .. وخطى القناة باتجاهنا .. ولكننا على الفور وبدون تردد .. قابلناه أنا وفضيلة بأيدينا في وجهه .. فسقط في وسط القناة .. والدم ينزف من أنفه وفمه .. ولم أترك فضيلة تنزل إليه بل جذبتها إلي أعلى .
- دم ثانية يا فضيلة ! مرة من رأسي ومرة من وجهي .. لكنني سأشهده هذه المرة بأنني لن أتركك تنعمين بأرضك .. وسآخذها منك يوما .. لتصبح ملكي وحدي .
فقالت له :
- وأنا لن أخاف منك بعد اليوم يا غبريال وسأعاملك بالمثل .. العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم .
وظل الصراع قائما لسنوات طويلة .. كبر خلالها بركات وزهرة وولدي محمود .. وراح عمدة وجاء آخر .. صحيح أن العمدة الجديد لم ينصره ولم يقر له بحق .. إلا أنه لا يستطيع أن يحرك ساكنا تجاه غبريال بالذات .. حتى أنه لم يستطع الذهاب إلى الحقل ليعاين معنا الحد المنقول .. واحتلال غبريال لجزء كبير من أرض فضيلة .
- سأعيد الحد بنفسي
قالها بركات وفأسه إلى أعلى .. وقبل أن يهوى بها فوق الحد .. كان قد التف حوله رجال غبريال .. فأنزل فأسه لجواره .. وعلى الفور جريت نحوه وجذبته من بين مخالبهم .. إلا أن غبريال اتجه إلى فضيلة وهزها من كتفها هزات عنيفة .
- فضيلة .. هذبي ولدك وعلميه كيف يتعامل مع أسياده وإلا ..
ثم ضحك ضحكات متتابعة وأردف :
- اسمعي .. عليك بالعمدة يا فضيلة .. اشكيني إليه
ثم وثب إلى ظهر حماره وما زال يضحك .. شد اللجام ونهر الحمار وانطلق .
ومن الأرض المنهوبة إلى دار العمدة فورا .. كان جالسا على مقعده حزينا .. مال علينا سلامة الخفير وهمس :
- اتركا العمدة الآن .. إنه ...
لكن فضيلة ما كانت تود الاستماع إلى أي حديث .. وعلى الفور اندفعت إلى العمدة وراحت تصرخ في وجهه :
- قانونك ظالم يا عمدة .. السكوت على الظلم ظلم أكبر .. أنت أيضا لست في مأمن .. أفق قبل أن يبتلع غبريال كل شئ .. ويقضى على الأخضر واليابس .
ويا لدهشتي وأنا أراه يبكى وسلامة الخفير يربت على كتفه .. ماذا حدث للعمدة .. وإلى أي الطرق يجرنا غبريال ؟ وظللت بعدها أياما طويلة أجول برأسي ذات اليمين وذات الشمال .. أحاول البحث عن مخرج أو حيلة نستعيد بها الأرض المنهوبة .. وذات يوم .. إذا كنت أحلم .. أحلم وأنا جالس .. وشريط الذكريات يبدأ من المشعل القابع بالركن المقابل ويمر أمام عيني وبرأسي .
"العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم".. قالتها فضيلة لغبريال في بادئ الصراع .. ولم أشعر بنفسي إلا وأنا حاملا مشعلي ومتجها به إلى دارها .. كانت راقدة تشكو من الصداع .. وكان بركات وزهرة يجلسان أمام الطعام البارد في الأطباق ولا يأكلان .. التفوا جميعا حولي .
- فضيلة .. بركات .. اسمعاني جيدا .. في الليل وعندما يصبغ الظلام كل شئ بالأسود عندما ينظر الواحد في كفه ولا يراه .. سنكون نحن الثلاثة ومعنا ولدى محمود في الأرض .. كل واحد بفأسه .. سنعيد الحد الليلة وسنسترد الأرض .
- وغبريال .. هل تظن أنه سيسكت ؟ لا يا جدي .. حياة ولدى وابنتي أهم من عودة الأرض .
- أمي ماذا دهاكى ؟ صرت تخافين لماذا؟
- أنا أيضا غير مصدق يا ولدى .. هل هذه فضيلة ؟ العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم يا غبريال
- ها هو قد قالها لك جدنا نور الدين
قالها بركات والسعادة تغمره .. ثم اتجه إلى أمه وأخذ يقول لها كلمات ألهبت حماسها .. عند هذا الحد .. نهضت أنا ورفعت الطعام البارد في الأطباق واتجهت ناحية المطبخ .. إلا أن فضيلة اندفعت نحوى .. وأخت الطعام من يدي .. وبعد دقائق معدودات عادت إلينا بطعاما ساخنا شهيا فرحنا نأكل بنهم ، حتى سمعنا الباب يطرق .. كان سلامة الخفير .
- أنت هنا يا جدي .. يا لحظى السعيد .. على أية حال مبروك .. ولدك محمود صار رجلا .. وبركات أيضا يا فضيلة .. إنهما مطلوبان غدا للجيش .. موعدنا قبل طلوع الشمس يا بركات عند المستشفى في أول الطريق .. سيكون السيد حسب النبي ، وزغلول صلاح ، وحمدي حماد ، و زكريا إسماعيل ، ومسعد العربي .
كانت مفاجأة قاسية علينا جميعا .. فجرها سلامة ، ولم يترك سوى الحيرة وسؤالا لم نجد له إجابة .. حتى السماء التي كانت تطل علينا من الشباك .. صارت عبوسا .. وكأنها تعانى من الألم في الأحشاء وتود لو تنفجر .. أخذت فضيلة تتطلع بإمعان إلى بركات .. وكأنها لم تره من قبل .. حتى انسال الدمع من عينيها .. ثم أخذت وجهه بين كفيها وقبلته من جبهته .. وفجأة استعادت وجهها الباسم وراحت تضحك .. تضحك .. تنظر إلينا وتضحك .. ونحن جميعا في دهشة مما تفعل .. حتى اندفعنا خلفها في ضحك هستيري .. ولم نتوقف إلا عندما بادرتنا زهرة باقتراحها .
- أنا أستطيع أن أعوض غياب بركات .
ساد الصمت .. ثم اندفع بركات يفاجئنا هو الآخر :
- يدي بأيديكم سنستعيد الأرض معا .. وفى الصباح سأذهب إلى منطقة التجنيد
وفجأة انفجرت السماء .. فظهرت سعادة بالغة على الوجوه .. فالمطر سيساعد كثيرا .. الشوارع المبتلة سوف تلزم الناس بالجلوس داخل الدور .. حتى الحد عندما يبلله المطر .. سيكون سهلا طريا تحت ضربات الفؤوس .. وفى غمرة هذا الفرح .. حملت مشعلي واتجهت إلى الدار .. إذ أن عنصر الوقت ما عاد في صالحنا .. ولابد أن يعرف محمود بكل شئ .
وقبل طلوع الشمس كنا نحن الخمسة قد انتهينا من نقل الحد إلي موضعه الطبيعي وكان بركات ومحمود في طريقهما إلي المستشفى عند أول الطريق .. وبعد شروق الشمس كان خبر عودة الحد إلى مكانه على ألسنة جميع الناس يرددونه بفرح .. ثم اتجهوا بعدها إلى العمدة وأخذوا يطالبونه برحيل غبريال من القرية .
أما أنا فعدت إلى دارى .. إلى حفيدي شمس النهار .. وإلى مديحه زوجة محمود وسعادة كبيرة تغمرني .
"الى اللقاء مع شمس النهار"
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق